رمضان هو شهر تغذية الروح بشكل قوي، من خلال قضاء أيامه الطويلة ولياليه بالصيام والصلاة. ومن المناسب فيه أن نضع لأنفسنا أهدافاً ونسعى من خلالها إلى إصلاح نفوسنا من الداخل. نحن نحاول أن نتنقل بين الكثير من الدعاء وتلاوة القرآن بقدر ما نستطيع.
وفي جهودنا لجعله شهراً روحياً مهماً بالنسبة لنا، يجب أن نتذكر أيضاً أنّ للأطفال حقاً فيه فإن لم يكن بالصيام فمن خلال زرع المفاهيم الصحيحة والتعاليم الإسلاميّة بأسلوب محبّب يجعلهم يألفون هذا الشهر العظيم فتعلق في أذهانهم الذكريات الجميلة ويتشوّقون لاستقباله. وهذه 8 طرق سهلة تحقق تلك الأهداف وتجعل من رمضان أكثر متعة للأطفال:
1. الصلاة معاً
إنّ الصلاة مع الأطفال كأسرة واحدة هو من الأمور المهمّة جدّاً التي تزرع فيهم حبّ هذه الفريضة الأساسيّة في حياتهم. ومع قضاء وقت إضافيّ في نهاية كلّ صلاة للدعاء وتشجيع الأطفال سؤال المولى سبحانه ما يريدون– حتى لو كانت أموراً مضحكة كالألعاب والحلوى– سيساعدهم ذلك حتماً على تسليط الضوء على أهمية وقوة الدعاء في هذا الشهر. وفي الهدي النبوي الشريف أنّ سيدنا محمّد، صلى الله عليه وسلّم، قال: (إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا) رواه مسلم، وهذا دليل واضح على عدم ترك الصلاة في المنزل لما فيها من تعوّد رؤية الأطفال لوالديهم وهم يصلّون. ويمكن أيضاً اصطحاب الأطفال الأكبر سنّا للمسجد وإشراكهم ولو لبضعة أيّام في صلاة التراويح كي يترسّخ في نفوسهم مفهوم الصلاة الجامعة ويشاهدون ما تدلّ عليها من نظام وتناسق.
2. المشاركة في اختيار الفطور
من الأمور التي يحبّها الأولاد أن تسمح لهم اختيار طعامهم المفضّل كي يجلسوا على مائدة الإفطار ويتلذذوا به. ويمكن للأم أن تستغل هذا الشغف لتزرع في أطفالها العادات الصحيّة في اختيار الطعام، فإذا كانوا يريدون الحلوى مثلاً قومي بإعطائهم خياراً من صنفين من الفواكه بدلاً من ذلك مثل الفراولة أو البطيخ. بهذه الطريقة، يمكنهم أن يتعلموا اختيار الأطعمة الصحية في الإفطار، وفي نفس الوقت يشعرون بأنّهم قد أخذوا فرصة المساهمة في إعداد المائدة الرمضانيّة. ومن الأمور التي ينبغي عدم الغفلة عنها توجيه الأهل رسائل سلبيّة ومتناقضة للطفل دون أن يقصدوا ذلك، ويحصل ذلك من خلال الإسراف في تحضير أصناف الطعام إلى درجة رمي ما يبقى منها في القمامة ثمّ القول للأطفال بانّ شهر رمضان هو للإحساس بالفقراء والتضامن مع جوعهم وعطشهم.
3. تحديد الأهداف
من المفيد استغلال شهر رمضان لترسيخ مفهوم تحديد الأهداف وتطبيقها عند الأولاد. وتساعد طبيعة الشهر الكريم وانتظام أعماله- بسبب ارتباط أغلبها بأوقات محدّدة- في سهولة تطبيق هذا الأمر. لذلك من المناسب للأطفال وضع أهداف صغيرة تناسب عمرهم ويمكنهم تحقيقها كي يكتسبوا الثقة بأنفسهم. على سبيل المثال، قراءة صفحة واحدة من القرآن الكريم كل يوم (أو ترداد ما يسمعون منك) أو الاستيقاظ للسحور مرتين في الأسبوع، بالإضافة إلى أنشطتهم الروتينيّة التي اعتادوا عليها. ومن الأخطاء الفادحة التي تقع بها بعض الأمّهات ترك أطفالهم أمام التلفاز لساعات طويلة دون توجيه إلى ما ينفع أو رقابة والانغماس في اعمال الطبخ والتحضير. إنّ فعل ذلك يتنافى مع روح الصيام التي ينبغي أن يدركوها وهي الإكثار من ذكر الله وأن معنى الصوم هو التغلب على هوى النفس ووسوسة الشيطان .
4. قصّة قبل النوم
الأطفال يحبون قراءة القصص أو الاستماع لها قبل النوم طوال العام. ويمكن استبدال هذه القصص بما يساعدهم على فهم الإسلام ومعرفة المزيد عن رمضان. وينبغي للقصّة أن تكون ذات معنى فلا تشوّش على الطفل ذهنه (يقع بعض الأهل في خطأ عندما يحاولون شرح ماهيّة هلال رمضان للطفل بانّه خاص بهذا الشهر) أو تدفعه إلى الملل بتكرارها في أغلب الأحيان. وليس أجمل من الرجوع إلى السيرة النبويّة واختيار ما يناسب أعمار الأطفال خصوصاً مع توفّر العديد من المصادر الجذابة للطفل في وقتنا الحاضر. ومنها على سبيل المثال (السيرة النبويّة المصوّرة) المنشورة لدار عالم الثقافة أو إصدارات دار عالمي الممتع للدكتور جاسم المطوّع ففيها الكثير من القصص القرآني والنبوي الشريف.
5. ألعاب تربويّة مسليّة
من الأمور المسليّة للأطفال إدخال الألعاب في عمليّة تعليمهم معاني الصيام وفضل شهر رمضان. ومنها على سبيل المثال لعبة "مطالع القمر" حيث يطلب من الأطفال في كل ليلة العثور على القمر وتعطى مكافأة رمزيّة لمن يشاهده أولاً، كما يمكن أن يقوم الأطفال (إن كانوا في سن مناسبة) برسم ما شاهدوه من مراحل تطوّر شكل القمر على ورقة أو لوح وتلوينه وذلك لمقارنته بما يشبه في الليلة السابقة. ومع مرور الأيّام سيتعلّمون معنى الوقت عندما يشاهدون كيف يكبر القمر ويصبح منيراً ثمّ يتقلّص ليختفي كي يعاود الظهور مبشّراً بقدوم العيد السعيد.
ومن الألعاب المفيدة في شهر رمضان لعبة "كنوز الجنّة" التي يتعلّم فيها الأطفال فضل الذكر في هذا الشهر العظيم ويمكن تطبيقها بعمل نموذج 10 نخلات مرسومة لكن غير ملونة ليقوموا بتلوينها، و10 قصور غير ملونة، و10 صناديق كنوز كذلك غير ملونة، وسيقوم كل واحد منهم بتلوينها إذا قال الذكر المطلوب في اليوم. فمثلاً إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، يلون واحداً فقط من الكنوز حصيلة ذكر اليوم .ولا تنسي أن تعلقي الأوراق في متناول الأطفال لتذكريهم بالتلوين كل يوم، وفي نهاية رمضان يقوم الطفل بإحصاء ما حصل عليه في الجنة مع تذكيرهم بكرم الله سبحانه وتعالى وأنه يضاعف لمن يشاء.
6. هدايا الفقراء والمساكين
من الأمور التي يحرص الإسلام على تعليمها الأطفال منذ نعومة أظافرهم مفهوم العطاء والتكافل دون مقابل. وإذا كان هذا مطلوباً من الأهل في جميع شهور السنة فهو أشدّ حاجة للطفل في شهر رمضان الذي من معانيه العظيمة الإحساس بالآخر ومساعدته. وكما ذكر الصحابي الجليل ابن عبّاس رضي الله عنه: لقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ لذلك لا يجب أن يكون رمضان هو فقط شهر الحصول على الهدايا بالنسبة للأطفال، ولكن أيضاً تعويدهم على منحها للآخرين كذلك.
ويمكن تطبيق ذلك مثلاً بجعلهم يقدّمون هديّة رمزيّة لإمام المسجد أو الجيران المحتاجين ممّا جمعوا من حصّالاتهم طيلة العام. كما يمكنهم تزيين بطاقات منزليّة الصنع وبسيطة تحمل معاني رمضان ويقومون بإهدائها إلى أقاربهم وأصدقائهم. ويمكنهم كذلك التصدّق بدرهم أو ريال يوميّاً بعد الصلاة.
7. ألبوم الذكريات
معظم العائلات يحبّون التقاط الكثير من الصور في شهر رمضان ويوم العيد. لذلك تعتبر فكرة تجميع هذه الصور في ألبوم مميّز (Photobook) وتزيينها بمشاركة الأطفال فكرة جميلة. إنها وسيلة رائعة للأطفال كي ينظروا إليها بعد انقضاء الشهر الكريم فيتذكرون كل الأوقات الممتعة التي قضوها خلاله.
ويمكن تطوير الفكرة أكثر باستخدام موقع التواصل الاجتماعي، حيث تقومين بالتنسيق مع عدد من أصدقاء اطفالك من خلال ذويهم (أو الأقارب) والاتفاق على أن يقوموا يوميّاً باختيار صورة قاموا بالتقاطها بأنفسهم أو حصلوا عليها عن طريق النت (من الأفضل أن ترمز إلى فضائل الصيام أو فرحة استقبال شهر رمضان). وبعدها ترفع هذه الصور على موقع التواصل الاجتماعي ويقوم الأطفال بالتعليق (بمساعدة الأهل) عليها بما يعجبهم ويناسب سنّهم.
8. توطيد العلاقات
تعاني مجتمعاتنا العربيّة في الزمن الصعب وتعقيدات الحياة الملهية تراجعاً واضحاً في العلاقات الأسريّة والاجتماعيّة خصوصاً بين الأقارب والأرحام. لذلك يعتبر شهر رمضان بمثابة فرصة ذهبيّة لتعويد الأطفال منذ الصغر على أهميّة هذه الروابط والعلاقات.
ويمكن تطبيق ذلك بالتخطيط المسبق مع جميع أفراد العائلة– وبمشاركة الأطفال– لتحديد عدّة للأشخاص المقرّبين من العائلة وخارجها (الأجداد، الأعمام، الأخوال والخالات..). كما يمكن اصطحاب الأطفال في زيارة تخصيص يوم أو اكثر لدعوة بعض أفراد العائلة أو الأصدقاء إلى مائدة الإفطار وجعل الأطفال هم من يقومون بالاتصال أو كتابة الدعوة وتزيينها. إنّ تعليم أطفالك الحفاظ على هذه العلاقات قوية ينبغي أن يكون هدفاً رئيسياً طوال العام وفي رمضان خاصّة.
Comentarios